أدب وثقافه

قِصَّةً قَصِيرَةً الفَتَاة الْعَرَبِيَّة

بِقَلَم الأديبة عَبِير صَفْوَت

مَاذَا عَنْك ؟ ! أَيُّهَا الْعَالِمُ الْغَرِيب .
هَل اللَّوْم عَلَيْك ، مِثْلَمَا اللَّوْمُ عَلَى قدرى ، أَو أُلَلوِّح اللَّوْمُ عَلَى صَفْعَة مِنْ الْأَيَّامِ ، سُحْقًا مِنْ الْهُرُوبِ مِنْ لَا شَيّ ، وتساءلت الْأَيَّام بِى مَرَّات ، هَلْ أَنَا حُرَّةُ ، مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ .

حَتْمًا ، لَنْ تَرَى مِنْ العَائِلَةِ الَّتِى رَحَلْت إلَى السَّمَاءِ ، إلَّا مِيرَاثَهُم الفَائِز ببخث النَّصِيب ، وَالْأَصْدِقَاء الملقبين بِالصِّفَة ، وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ .

هَل لترحال مَعْنَى ؟ ! وَإِلَى مَتَى ؟ ! وَلَمَّا الْهُرُوب ، إنْ كَانَ شَأْنُهُ الْإِصْرَار ، فَكَان يُلَازِمُه ، مَا تُورِث مِنْ الْأَعْرَافِ وَالْقَيْد لِذَلِك .

مَالَت بِرَأْسِهَا الْمُثْقَل ، مِن جرعات زَائِدَةً مِنْ النَّبِيذِ الْأَحْمَر ، مِمَّا جَعَلَ عُيُونُهَا ، تترأي شخوصا ، كَأَنَّهُم الْأَشْبَاح ، لمحتة ببسمتا هَادِيَة ، وَكَان عُيُونُهَا قناصة ، انتقتة مِنْ بَيْنِ الْجَمِيعِ ، جذبتة ، أَوْ هُوَ جَذَبَها ، بِعُيون تقرضك الْحَنَّان ، وَبُحَيْرَة صَغِيرَة بماقية ، تتهامس بِهَا الْكَلِمَاتُ ، تُخَدِّر الْأَعْصَاب ، وتهدأ النَّظَرَات عِنْدَهَا ، وترتخى الْأَجْفَان بِالطَّاعَة ، وَجَسَدًا مَمْشُوق لجندى ، لَا تراوضة إلَّا هُمُوم الِانْتِصَار ، وظلا لِجَسَدِه ، يَرْسُم ضِيَاء خَافَتْه ، وَأَنْفَاس تتهدج بِانْسِجام .

اعلان

تَلاَشَت أَمَامَهَا كُلِّ الصُّوَرِ ، وَالْمَشَاهِد الْقَدِيمَة ، الَّتِى مازالَت حَيَّة ، وتجسد فِى الْأَقْدَاح صُورَة مَنْحُوتَةٌ مِنْ تَلَاقَى فُرُوعٌ لأشجار ، مِنْ بِلَادِ مُخْتَلِفَةٌ ، وَرَأَت أَنَّهَا ، تَحْصُد مِنْ شَجَرَةٍ وَاحِدَةً ، زُهُورًا مِنْ الْوَرْدِ البلدى ، تعانقها ، زُهُورًا مِن الجيجوبا ، وارتسمت عَلَى ثَغْرَهَا بِسُمِّه عَذَابٌ ، تَفَرَّج شَفَتَيْهَا بلمحة ، لَا تَتَعَدَّى القَلَق وَالارْتِيَاب .

إلَّا أَنْ الْتَمَعَت الشَّمْس فِى عُيُونُهَا ، تُجْعَل الصحوة مِن غِيَابِهَا يَنْطَلِق ، تَفَتَّحَت بَراعِم جَسَدِهَا ، وانفرج قَلْبُهَا ، تتسلل أَشِعَّةِ الشَّمْسِ ، تَعَانَق دَقَّاتِه ،

وارتسمت عَلَى شَفَتَيْه بَاكُورَة الْعِتَاب ، لِمَاذَا كُلُّ هَذَا الْغُيَّاب ، تلعثمت الشَّرْقِيَّة ، وَلَم يَتَلَعْثَم الْغَرْبِيّ ، فَرْد قلوع تَعْرِيف الذَّات ، بِجُرْأَة لَا تُعْرَفُ الْحَرَج .

اعلان

وبهتت الفَتَاة بِالرُّشْد ، وَكَان يراقصها الْخَجَل ، وتدغدغها الْأُنُوثَة ، وَرَأَت صُورَتُهَا مُنْعَكِسَة ، عَلَى الزُّجَاج الْمُقَابِل ، وَكَان الْقَيْد سِيَاج بِسَاقَيْهَا ، كَامْرَأَة مِنْ الشَّرْق .

أَنْفَضَ الرَّجُلُ الوسيم ، مِنْ كَلِمَاتِهِ الَّتِى تُذِيب الصَّخْر ، وَتَقَلُّص الصَّمْت ، وَثَار بَيْن كُفُوفٌ يَدَيْهَا ، وتساءلت بِنَفْسِهَا ، مَاذَا أَقُولُ ؟ !

كُنْت الْإِجَابَة مِنْهَا ، جَسَدًا يَتَرَنَّح ، بَرِح الْمَقْعَد ، للغرفة صَاعِدًا .

. . .
بَرَّحَ بِهِ الْكَيْل صفعات ، ولكزتة نَفْسِه اللعوبة ، مَاذَا بِك أَيُّهَا الرَّجُلُ الإنجليزي ، وَمَا شَأْنُ ؟ ! الْمَرْأَة الْعَرَبِيَّة مِنْك .

وأجابت نَفْسِه :

حِينَمَا يَكُون الْأَعْدَاء ، بِغَيْرِ أَرْضٍ الْمَعْرَكَة ، رُبَّمَا هُم أصْدِقَاء ، وَاعْتَلَى مُخَيَّمَات اللأئجين ، وَأَنَاب نَفْسِه بِرَسُول ، سينتشلها مِن التشرد والحوجة ، وَبَدَت طُيُورِه الْجَارِحَة ، تَتَغَذَّى عَلَى وَحْدَةِ الفَتَاة الْعَرَبِيَّة ، تلكزها بوسامته ، وتثيرها بفؤاد وَحْدَتِهَا ، ويحاول فَكّ طلاسيم اصفادها الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْأَعْرَاف ، وَتَدَلَّت مِنْه اِبْتِسَامَةٌ كاجندول ، يَتَرَاقَص بعنفوان ، لَمْ تُغَادِرْ فَرَحُه غَامِرَةٌ ، تَرَاقَص لَهَا الْفُؤَاد .

اِسْتَعْرَض قِوَامُه الرَّشِيق ، تَهْتَزّ خَصَلَات مِنْ شَعْرِهِ الْأَسْوَد النَّاعِم ، منسدل بِمَنْكِبَيْه ، تَتَنَاثَر مِنْه السَّعَادَة ، يُرَدِّد اسْمُه الْبَرَاح :
“البرت” البرت” بَل يُمْكِنُك أَنْ تلقبينى (بارتي)

اِبتسَمَت الفَتَاة الْعَرَبِيَّة ، وَرَأَت الْإِعْجَاب ، هُوَ طَرِيقُ مُيَسَّرٌ لِلْحَبّ ، يَجْمَعُهُمَا الزَّوَاج .

لَكِن ، هَل لزواج مَعْنَى ، فِى عَقْل ، رَجُلًا أنجليزى لَا يُعْرَفُ الدِّين ، وَامْرَأَةٌ عَرَبِيَّة ، الزَّوَاج لَهَا هُوَ إتْمَام الدِّين .

. . .

لَا تقامرى بقيودك ، فَخَلَف هَذِهِ الْجِبَالَ ، يَتَحَدَّثُونَ عَنْ الْعَادَاتِ والتقاليد ، أَمَّا هُنَا فِى بِلاَدِ الغَرْبِ ، مَعْنَى الْحُرِّيَّة ، بِضْع كَلِمَات قَالَهَا الانجليزى ، كَانَتْ لَهَا أَثَرٌ السِّحْرُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْعَرَبِيَّة .

غَلَبَتِهَا الْحِيرَة ، وتراقصت أَمَامَهَا الْحُرِّيَّة ، بذيول الشَّيْطَان ، جَفَّت قُيُودِهَا وَكَان الْأَصْفَاد تَذُوب مِن عضدها ، رَأَت الْحِكْمَة تَتَلَاشَى أعالى ضِبَاب الْجِبَال ، وَالْهَوَاء الْبَارِد ينتشى بِجَسَدِهَا ، وَتَسَاءَل ذَلِك الَّذِى يَقْطُن بِجَسَدِهَا ، ليثأر مِنْهَا فِى التَّوّ بظنونة .

هَل الْحُرِّيَّة ؟ ! هِى التَّخَلِّى عَنْ الْأُصُولِ وَالعَادَاتِ ، نقذف بمراسم الشَّرَف الْأَرْض ، ونعلق المتع وَالْحُرِّيَّة ، عَلَى بَوَّابَة الْخَطِيئَة ، وَنَظَرْت حَوْلَهَا ، فِى هَذَا الْمُسْكِر بقاعة الْفُنْدُق الانجليزى ، وَرَأَت الْمَارَّة مِنَ النَّافِذَةِ عَلَى حَافَّةِ الطَّريقِ الْمُقَابِل ، يَخْتَلِفُون كُلًّا مِنْهُمْ عَنْ الْآخَرِ ، إنَّمَا لِكُلِّ بَلَدٍ دِيَانَتِه ، وَلِكُلّ شُعَب اعرافة ، وَلِكُلّ بُشْرَى ثَقَافَتُه وَحُدُودِه الرَّبَّانِيَّة .

وَضَحِك “بارتي” يَمُنّ نَفْسِه بمغامرة ، بَات لَهَا عَلَى أعتاب الْخَيَال ، اسْتِهْلَاك آهات الْفُؤَاد ، وَتَصَدَّق بِكَلِمَة ، رُبَّمَا لَمْ تَكُنْ بمقصدها ، مستحلفا :

بِرَبِّكُم ، تجعلين مُتَيَّمٌ ، ينول الرِّضَا .

وَنَظَرْت الْعَرَبِيَّة ، نَظَرِه ممعنة ، تَقُول باقداح عُيُونُهَا الدافئة :

هَلْ تَعْلَمُ ؟ ! عَن لُغَةً الِانْتِظَارُ كَثِيرا .

قَال “البرت” وَهُو يمتعض ذَلِك :

نَحْنُ لَا نَعْرِفُ الِانْتِظَار إِلاَّ فِى الْحُرُوب .

ناورتة باغواء :

إذَا نعقد هُدْنَة ، حَتَّى النُّور يُضْوَى .

اِنْبَثَقَت مِن اللَّحَظَات والسويعات ، عَقَارِبُ السَّاعَةِ تتعارك ، بِصَحْن الدَّقَائِق ، حَتَّى اِنْبَثَق الصَّبْر كَالوَحْش ، بِصَدْر أَلْبِرْت ، فَرَغ الَّذِى كَانَ لِأَجْلِهِ يَنْتَظِر ، وانتصبت إِنْصالٌ عُرُوقِه ، لاَبُدَّ مِنْ أَصَابَهُ الهَدَف فِى مَقْتَل ، وَهُنَا تَسَاءل الْغُرُور بِـ “البرت” مَاذَا شأنى مِنْهَا ؟ ! تِلْك الفَتَاة الْعَرَبِيَّة ، مَا سِرُّ انجذابى لَهَا ، هَل لتمسكها الشَّدِيد بِالْأَعْرَاف والتقاليد ، أَم الْمُرَاد مِنًى ؟ ! أَن اقايدها ، وَبِالْقَبُول مِنْهَا ، تفتقد الرَّشَاد لِدَيْن .

هَل هِى مَعْرَكَة وَطَن بِوَطَن ، أَم عِلاقَة عَابِرَة ، بَيْنَ امْرَأَةٍ عَرَبِيَّةٍ حُرِّيَّتُهَا هِى حُدُود الْأَعْرَاف وَالدِّين ، وَرَجُلًا أنجليزى خُلِقَ مِنْ أَجْلِ الْحُرِّيَّة ، وتمطي الْوَقْت يتثاوب بكسل ، وَيُعْلِن الْمَسَاء رَحِيلِه .

وَجَاء الصَّبَّاح بنشوتة ، وَهُنَاكَ مَنْ ستنكس رَأْسِهَا ، وتعلن باناملها الرَّقِيقَة ، انْحِنَاءٌ الرَّايَات ، وَتَرَقُّب الْمُصْعِد الكَهْرَبائِيّ ، عَنْ مُنْذِرٍ بالوثب ، وتسلح بِالْإِغْرَاء ، وطلقات مِنْ سحْرِ الْعُيُون ، وتَرْحَاب مِنْ رَاحَةِ ، لَا تُعْرَفُ إلَّا الْقَتْلُ .

وَهُنَا أَحْضَر النادل ، صَحْن مِنْ الذَّهَبِ ، بِه مَكْتُوبٌ فِى رَقِيقٌ متعطر ، نَظَرٌ الانجليزى بِعُمْق الْمُصْعِد ، وترأي خيالها تحتضنة لِصُعُود ،
وتهدجت أَنْفَاسَه ، وَفَرْج الْوَرَقَة المطوية بِرِفْق ، يَشُدّ أَوْتَار الاقواس ، وَاسْتَعَدّ ليلاقى الْحَتْف بِهَذَا الِانْتِصَار ، وَقُرَّاء بِضْع كَلِمَات ، حَتَّى اِرْتَخَت أَجْفَانِه .

وَكَان مَضْمُونَهَا :

عُدَّت لدياري ، لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَن تَخْرُج ، عَنْ الدَّيْنِ وَالشَّرَف ، وَكَرَامَة الْبِلَاد .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى