أدب وثقافه

مقال الإيروتيكية في السرد الأدبي بين تقليد الغرب والضرورة الإبداعية 

كتب سمير لوبه : 

لماذا يصرُ بعضُ الأدباءِ على توظيفِ الجنسِ في رواياتِهم بتلك الجرأةِ ؟ سؤالٌ يطرحُ نفسَه نحاولُ أن نشركَ القارئ في هذا الطرحِ فلربما أدركنا أهميةَ « الإيروتيكية »في السردِ الأدبي وتعني التعبيراتَ الجنسيةَ في السردِ وهل يأتي بها الكاتبُ للضرورةِ أم مجردِ تقليعةٍ غربيةٍ ينتهجُها بعضُ كتابِنا من بابِ الموضةِ ؟ 

بدايةً .. لم يخل التراثُ العربي على اختلافِه من نصوصٍ وكتبٍ عن “الجنس”، حتى أنه كان ولا يزال الأكثرَ تناولاً في أدبياتِنا كما يحفظُ التراثُ كتباً قد تُوصَفُ وفقَ معايرِنا الحاليةِ بـ” الإيروتيكية ” وتعني التعابيرَ والمفرداتِ التي تتعلقُ بالتعبيرِ عن الجسدِ ، والجنسِ ، والشهوةِ وهي أكثرُ جَرأةً مما يُكتَبُ اليوم .

وهنا سنحاولُ معرفةَ الأسبابِ التي جعلت من “الجنس” تبالاً من التوابلِ لا يستغنى عنه في الكتابةِ السرديةِ خاصةً .

– إن استهدافَ الجنسِ لمجردِ الاستهدافِ يُعَدُ عملاً لا يضيفُ شيئاً جمالياً وفنياً للأدبِ بالأساس بل محاولةً للشهرةِ و لفت الانتباهِ لأنَّ الجنسَ مادةٌ سهلةٌ للشهرةِ كما أنَّ هناك من يبتغي من خلالِ استعمالِ الجنسِ ردةَ الفعلِ التي يحدثُها في قاعدةٍ أصوليةٍ جاهزةٍ للتحريمِ والتكفيرِ أي هو يتعمدُ أن يصدمَ جهةً ما من أجلِ أن يحققَ الشهرةَ . 

– الرقابةُ التي كانت تُفرضُ على الكتابةِ لم تعدْ فاعلةً وفقدت سيطرتَها فصار بإمكانِ أي كاتبٍ اليوم أن يكتبَ بمطلقِ الحريةِ وإن لم يجدْ له ناشراً في بلدِه سيجدُ من ينشرُه في بلدٍ آخرٍ أو حتى على شبكةِ الإنترنتِ كما يعودُ هذا أيضاً إلى طبيعةِ أخلاقياتِ الكاتبِ و مدى حرصِه على المتلقي .

– بعضُ الكتّاب ممن يبحثون عن أرقامِ توزيعٍ بغضِ النظرِ عن فنيةِ أعمالِهم يقحمون في نصوصِهم مشاهدٍ جنسيةٍ بشكلٍ مجاني لأنَّهم يعتقدون أنَّ القارئ العربي قد يبحثُ عن تحقيقِ ذاتِه المكبوتةِ في سطورِ الكتبِ وذلك يساهمُ في تشويهِ الصورةِ الذهنيةِ عن العربِ بوصفِهم كائناتٍ بشريةً تعاني هياجاً جنسياً مُزمِناً . 

يبقى الحديثُ عن الجنسِ بالمعنى المعروفِ للكلمةِ حاضراً أيضاً بما يدفعُ للاعتقادِ أنَّ الكلمةَ والخيالَ القصصي تهددُ الأخلاقَ والعاداتِ التي تعاني من ازدواجيةٍ كامنةٍ بينَ الظاهرِ والمتواري وأنَّ كلَ ما هو في الخفاءِ مشروعٌ أما الظاهرُ فالويلُ كلُ الويلِ وبالتالي فإنَّ اعتبارَ تناولِ الجنسِ روائياً أمراً محرماً يدفعُ للتندرِ كما هي الحالُ مع الأفلامِ التي تعرضُها القنواتُ العربيةُ فيجري تجاهلُ ترجمةٍ ما تحملُ عباراتٍ جنسيةٍ بينما جميعُ من يشاهدُ يعرفُ المعنى بالإنجليزية أو لا يعرفُ إلا تلك المعاني باللغةِ الإنجليزيةِ .

لذلك لا نستطيعُ أن نعتبرَ الجنسَ تابو فقد ظهر في الشعرِ القديمِ الذي خلط الخمرَ بالنساءِ بسهولةٍ كما أنَّ النسخةَ الأصليةَ من ألف ليلة وليلة والتي تُؤرَخُ بأقدمِ فنٍ سردي نحرصُ على وضعِها في مكتبتِنا بعيداً عن متناولِ الأطفالِ وحتى الرواياتِ التي تُعتبَرُ من الكلاسيكياتِ يحيي حقي وروايته ” البوسطجي ” قامت في الأصلِ على واقعةٍ جنسيةٍ ” حادث النصف متر ” لصبري موسي تحكي علاقةَ بينَ رجلٍ وامرأةٍ بلا زواجٍ حتى تنفصلَ عنه وتتزوجَ غيرَه . كما أنَّ روايةً مثل ” إيثاكا ” لرؤوف مسعد تُصنَفُ بأنَّها روايةٌ أيروتيكيةً خالصةً تماماً مثل ” برهان العسل ” لسلوى النعيمي لهذا نجدُ أنَّ الجنسَ يبدو لدى المجتمعاتِ العربيةِ هاجساً أكثرَ منه تابو وقد تورط فيه الأدبُ مبكراً لأنَّ الأدبُ بحكمِ طبيعتِه هو شجاعةُ الحكي عما نفكرُ فيه .

لا أظن أنَّ الموضوعَ يشكلُ تابو إنما الطريقةُ التي يتمُّ توظيفُ الجنسِ بها في النصِ الأدبي هي التي تجعلُ منه تابو أو تجعلُه جزءاً محكماً من دراما النصِ إذْ أنَّ الإيروتيكيةَ بطبيعةِ الحالِ هي أصلُ الحياةِ ففي الأساطيرِ الإغريقيةِ نجدُ ” إيروس” هو إلهُ الحبِ وفي علمِ النفسِ هو رمزٌ للرغبةِ و الحياةِ . 

يتصورُ البعضُ أنَّ الجنسَ سوف يستمرُ كونَه أمراً مُحرَّماً طالما نتعاملُ معه كما في أغلبِ الأعمالِ السرديةِ جنساً من أجلِ الجنسِ فقط فقليلٌ من كتابِنا من يوظفُ الجنسَ في الروايةِ من دونِ إقحامٍ وابتذالٍ  

نستعرضُ هنا أمثلةً عن الجنسِ في نصوصٍ سرديةٍ عربيةٍ وأجنبيةٍ : 

– رواية (ورّاق الحب) لخليل صويلح تبدو المشاهدُ الجنسيةُ بمثابةِ أحلامِ بطلٍ مأزومٍ تعوقُه الحياةُ ، نزواتٌ ذهنيةٌ يعوّضُ بها الشخصُ الرئيسُ في الروايةِ عدمَ قدرتِه على كتابةِ روايةٍ ولا حتى على إقامةِ علاقةٍ جادةٍ مع إحداهن هذا التوظيفُ أسهم بشكلٍ كبيرٍ في رسمِ شخصيةِ البطلِ الانعزالي المتذبذبِ والضائعِ والذي يعيشُ في خيالاتِه. 

– رواية (برهان العسل) لسلوى النعيمي يبدو الجنسُ كأنما هو الموضوعُ الرئيسُ والفكرةُ الأولى للروايةِ فبطلةُ النصِ امرأةٌ مبتلةٌ دوماً بماءِ شهوتِها وبشكلٍ متواصلٍ حتى يظنَّ القارئ أنها تعاني من خللٍ هرموني ما وهو أمرٌ لا يسهمُ في رسمِ أي عمقٍ للشخصيةِ إذْ لا تبدو دراما النصِ واضحةً وكثيفةً بحيث تقتضي الضرورةُ الفنيةُ وجودَ كلِ تلك الكمياتِ من سوائلِ الجسدِ وروائحِه. 

– قبل سنواتٍ أصدرت الفرنسيةُ ” كاترين مييه ” كتابَها (حياة كاترين م. الجنسية) تحكي فيه تجربتَها انطلاقاً من الثورةِ الجنسيةِ التي اندلعت في فرنسا في الستينيات ورُغمَ أنَّ الجنسَ هو التيمةُ الرئيسةُ للعملِ إلَّا أنَّه صنع من الكتابِ قطعةً فنيةً فريدةً ، وعَكَس من خلالِ حياةِ ” كاترين مييه ” فترةً عاشتها الأمةُ الفرنسيةُ ولازالت تعيشُ تحت تأثيرِها حتى اللحظةِ إنَّ المشهديةَ والتوصيفَ البصري في عملِ ” كاترين مييه ” يقدمان الجنسَ بشكلٍ حسي تماماً وربما هو الأمرُ الذي دفع ناشرُ النسخةِ العربيةِ من الكتابِ لوضعِ تحذيرِ ( + 18 ) على الغلافِ .

– في ( ثلاثية الإسكندرية ) الأديبُ والروائي المصري إبراهيم عبد المجيد وفي رواية ( أداجيو ) ورواية (صائد اليمام ) جاءت المشاهدُ الجنسيةُ ضرورةً فرضتها الشخصياتُ على العملِ السردي إذْ يرى الروائي ضرورةَ رفعِ القيودِ عن الإبداعِ . 

 لقد اتفق الكثيرون من المبدعين أنه لا مشكلةً لديهم في قراءةِ وكتابةِ الجنسِ شريطةَ أن يُوظَّفَ بما يخدمُ سياقَ العملِ فإن كان الجنسُ ضرورةً مُلِحةً تكملُ العملُ ما المانعُ من وجودِه ؟

 أتصورُ أنَّ بعضَ الرواياتِ هي التي تعززُ فكرةَ المنعِ أو التحريمِ أو حتى النفورِ من قِبَل القارئ عبرَ تسطيحِ معنى الجنسِ في الرواياتِ التي تبحثُ عن الترويجِ لنفسِها ، رواياتٌ كثيرةٌ قرأتُها مؤخراً تغصُ بالجنسِ هكذا من دونِ مبررٍ و البعضُ يرفضُ وجودَ مبرراتٍ للجنسِ في العملِ كونه أمراً طبيعياً وغريزةً بشريةً لا حاجةَ لتبريرِها كما يرون أنَّ الأمورَ الطبيعيةَ والحاجاتِ البشريةَ كثيرةٌ ومن غيرِ المنطقي اقحامُها فقط لأنَّها أمرٌ طبيعي في الروايةِ . 

بقلم سمير لوبه

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى