أخبارالسياسة والمقالات

من أمثال السنة المطهرة 3 مَثل المُنافق كمَثَل الشّاة العائرة

من أمثال السنة المطهرة

(3) { مَثل المُنافق كمَثَل الشّاة

 

 العائرة}

بقلم د/ محمد بركات

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة

 والسلام على المبعوث رحمة

 للعالمين سيدنا محمد وعلى آله

 وصحبه أجمعين وبعد:

 

فكل كلمة صدرت عن في رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الفهم العميق الناضج لحياتنا بأبي وأمي ونفسي وروحي وكل جوارحي رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.

 

مِن الأساليبِ التي امتازَ بها البَيانُ في القُرآنِ والسُّنَّةِ النَّبويَّةِ: التَّشبيهُ وضَربُ الأمثالِ؛ لِتَقريبِ المفاهيمِ للنَّاسِ عندَ وَعْظِهم وتَعليمِهم.

 

اعلان

وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم هو عين الحقيقة وعين الحياة التي نعيشها ونعايشها ، فكل كلمة صدرت عن في رسول الله صلى الله عليه وسلم الشريف هي صلب وأساس منهجك بلا منازع.

 

روى الإمام مسلم في صحيحه في “كتاب صفات المنافقين وأحكامهم” من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: (مَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ الشَّاةِ الْعَائِرَةِ بَيْنَ الْغَنَمَيْنِ؛ تَعِيرُ إِلَى هَذِهِ مَرَّةً وَإِلَى هَذِهِ مَرَّةً -وفي رواية: تَكِرُّ فِي هَذِهِ مَرَّةً وَفِي هَذِهِ مَرَّةً-)
(رواه مسلم) .

 

من الكلمات التي وردت في الحديث الشريف:
الشّاة العَائِرَة: الحائرة المتردِّدَة لا تدري أيّها تتبع.

تعِير: تتردّد وتذهب أو تنفر وتشرد.
تَكِرّ فِي هَذِهِ مَرَّة وَفِي هَذِهِ مَرَّة: تعطف على هذه وعلى هذه.

في هذا الحديثِ يوضح النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شَأنَ المُنافِقين وصِفاتِهم؛ حتَّى يَحذَرَهمُ النَّاسُ، فيَضرِبُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المَثَلَ للمُنافقِ بالشَّاةِ العائِرَةِ، أيِ: المُتردِّدةِ بَينَ غَنَميْنِ لا تَدري في أَيِّهِما تَدخُلُ، وكَذلك المُنافقُ يَكونُ مَتردِّدًا مُتذَبذبًا بَين هَؤلاءِ وهَؤلاءِ، فإذا كان مَع المُؤمنينَ أَظهَرَ الإيمانَ، وإذا كانَ مَع الكُفَّارِ كانَ مَعهم ظاهرًا وباطنًا. ومعنى: عائرةٍ، أي: انْفلَتَت وذَهبَت وصارَتْ مُتردِّدةً، فَلا تَدري أَيُّهما تَتبَعُ؛ تَعيرُ إلى هذه مَرَّةً وإلى هذه مَرَّةً، أي:
تَعطِفُ على هِذه وعلى هَذه لا تَدري أيُّهما تَتبَعُ.

وهذا الحديثُ يُبَيِّنُ أنَّ المُنافِقَ لَيس له أُسٌّ يَبنِي عليه ولا عَزيمةٌ يَثْبُتُ فيها، وإِنَّما يَكونُ حيثُ يَجِدُ هَواه ومَنْفَعتَه الدُّنيويَّةَ.

وعندما نطالع حديث النبي ﷺ نجده،
يقول : (مَثَلُ الْمُنَافِقِ) أي صفته العجيبة الشّأن (كَمَثَلِ الشَّاةِ الْعَائِرَةِ) أي الطّالبة للفحل المتردّدة -من “عار” أي ذهب وبَعُدَ- (بَيْنَ الْغَنَمَيْنِ) أي القطيعين، فإنّ الغنم اسم جنس يقع على الواحد والجمع، لا تدري أيّهما تتبع (تَعير) أي تنفِر وتشرد (إلى هذه) أي القطعة (مرة، وإلى هذه) أي القطعة الأخرى (مرة) أخرى؛ ليضربها فحلها، فلا ثبات لها على حالة واحدة، وإنما هي أسيرة شهوتها، وهو تشبيه مركبٌ محسوسٌ بمعنى معقول، تقريبا إلى فهم المخاطب، فشبّه تردّده بين الطّائفتين -أي المسلمين والكافرين تبعا لهواه ومراداته، وقصدا إلى شهواته- بتردّد الشّاة العائرة التي لا تستقرّ على حال، وبذلك وصفهم الله تعالى في قوله: {مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء} (سورة النّساء ، الآية :143).

وهذا المَثَل الذي ضربه النّبي صلّى الله عليه وسلّم يُبيّن حال المنافق وحقيقته، بأنّه ليس له ثباتٌ على الإيمان والحقّ والهدى، بل هو مع المؤمنين في ظاهره ومع الكافرين بباطنه، حرصًا منه على المنافع الدّنيوية، فإذا كان هناك نفعٌ من المؤمنين قال لهم:

أنا معكم، وإن رأى منفعةً عند غيرهم قال: أنا معكم، يقول الله تعالى واصفًا طريقتهم:
{الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ}
(سورة النساء، الآية:141)

، كما بيّن الله عزّ وجلّ حالهم في الآية الأخرى فقال: {مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلا}
(سورة النّساء، الآية:143)

، فهذا تحذيرٌ من سلوك مسلك المنافقين واتباع طريقتهم المذمومة.

أي: الشاة المتحيرة المترددة بين مجموعتين من الغنم، فالمنافق عنده حيرة، فلا يستريح ولا يهنأ له قلب ولا يطمئن، وهذا المثل لتقريب المعنى، وضربه من وحي البيئة العربية، فالمنافق مثله مثل الشاه العائرة، فهو يذهب إلى أهل الإيمان مرة، وإلى أهل النفاق مرة أخرى، ولا هو قادر يستمر مع هؤلاء، ولا قادر يستمر مع هؤلاء؛ لأنه منافق.

وفي رواية ثانية: (تكر في هذه مرة، وفي هذه مرة).

والمعنى واحد، قال الإمام النووي: هي المترددة الحائرة لا تدري لأيهما تتبع؟ ومعنى: (تعير) أو (تكر) أي: تتردد وتذهب هنا مرة وهناك مرة أخرى.

فهذه بعض أوصاف المنافقين التي ذكرها الله تعالى في كتابه، وذكرها رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام في صحيح سنته.

وعندما نقف مع المَثل وقفة المتدبر له:
وجه الشّبه في الحديث: تمثيل حال المنافق في عدم ثباته على الحقّ والهُدى، بحال الشّاة العائرة المتردّدة بين الغنمين، قال الإمام الطّيبي رحمه الله: “شَبَّه تردّد المنافق بين المؤمنين والكافرين تبعًا لهواه وقصدًا لأغراضه الفاسدة كتردّد الشّاة الطّالبة للفحل، فلا تستقرُّ على حالٍ، ولذلك وُصِفُوا في التّنزيل: {مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء}
(سورة النساء، الآية :143)”.

ذمّ النّفاق والمنافقين:
هذا المَثَل يُبيّن خبث المنافقين وفساد طويّتهم وسوء عملهم، قال الإمام ابن القيّم رحمه الله: “قد هتك الله سبحانه وتعالى أستار المنافقين، وكشف أسرارهم في القرآن، وجلَّى لعباده أمورهم؛ ليكونوا منها ومن أهلها على حذر، وذكر طوائفَ العالم الثلاثة في أوّل سورة البقرة: المؤمنين والكفّار والمنافقين، فذكر في المؤمنين أربع آيات، وفي الكفّار آيتين، وفي المنافقين ثلاث عشرة آية؛ لكثرتهم وعموم الابتلاء بهم، وشدّة فتنتهم على الإسلام وأهله، فإنّ بليّة الإسلام بهم شديدة جدًّا؛ لأنهم منسوبون إليه وإلى نصرته وموالاته، وهم أعداؤه في الحقيقة، يخرجون عداوته في كلّ قالب يظنّ الجاهل أنه عِلْمٌ وإصلاحٌ، وهو غاية الجهل والإفساد، فلِلّه كم من معقَل للإسلام قد هدموه، وكم من حِصنٍ له قد قلعوا أساسه وخرّبوه، وكم من عَلَم له قد طمسوه، وكم من لواءٍ له مرفوعٍ قد وضعوه، وكم ضربوا بمعاول الشُّبه في أصول غراسه ليقلعوها، وكم عَمُّوا عيون موارده بآرائهم ليدفنوها ويقطعوها، فلا يزال الإسلام وأهله منهم في محنة وبليّة، ولا يزال يطرقه من شبههم سَرِيَّةٌ بعد سريّة، ويزعمون أنهم بذلك مصلحون
{أَلا إِنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ} (سورة البقرة ، الآية:12)
، {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ}
(سورة الصفّ، الآية:8)”.

والسؤال هو : كيف يسلم المسلم من صفات النفاق وأخلاق المنافقين؟
تحصُلُ له السّلامة بالاعتصام بحبل الله المتين، والاستقامة على شرعه ونهجه، والعمل بطاعته مع المؤمنين المخلصين، والثّبات على ذلك، فإذا التزم بذلك سَلِم من النفاق وأخلاق المنافقين.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً وكن بنا وبالمؤمنين رؤوفا رحيما.

اعلان

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى