كنتُ أعلّم الآخرين أن الكلمة ضوءٌ يبدّد عتمة الحياة، وأن الحبر حين يختلط بالوجع، يصير أكثر صدقًا وقداسة. كنت أقول لتلاميذي: «لا تخافوا من السقوط، فالأرض تُعلّمنا الوقوف من جديد». لكنّي حين أعود إلى وحدتي، كنت أرى في المرآة رجلًا يحاول أن ينهض من بين الركام. أمسكت القناع بيدي، ضحكته الواسعة تسخر من ملامحي المتعبة. كم مرة لبستُ مثله لأبدو بخير أمام العالم؟ كم مرة أخفيتُ وجعي بابتسامة مصطنعة حتى لا ينهار من حولي؟ كنت أضحك كي لا يُسأل الحزن عني، وأتماسك كي لا يُقال إنني انكسرت، وأكتب كي لا أموت بصمت. الفقد مرّ بي كثيرًا، لكنه لم يطفئني، بل صقلني كصخرةٍ عبرها الماء آلاف المرات دون أن يقتلها. علّمني أن الألم لا يُهزم بالبكاء، بل بالفهم، وأن الكتابة ليست ترفًا، بل طوق نجاةٍ من الغرق الداخلي. أنا الأستاذ الذي يقف كل يوم أمام طلابه، يخفي وجعه خلف سبورةٍ مملوءة بالكلمات، ويعلّمهم كيف يُقاومون، دون أن يخبرهم أنه يقاوم معهم. أقول لهم إن العلم حياة، لكنّي أعلم أن الحرف وحده هو ما أبقاني حيًّا. في الليل، حين يهدأ كل شيء، أخلع القناع وأواجهني. أبتسم لظلي وأقول: “ما زلتَ هنا رغم كل شيء… ما زلتَ تكتب، وتؤمن، وتحبّ الحياة وإن غابت عنك وجوه أحببتها. ثم أضع القناع من جديد، وأخرج إلى العالم بوجهٍ يضحك… وقلبٍ يواصل الدرس. بقلم: الأستاذ محمد بايزيد