المقالات والسياسه والادب

حين تهزّك الحياة

بقلم: د. تامر عبد القادر عمار

حين تهزّك الحياة

في حياة كل إنسان لحظة فاصلة…
خبر صادم، فقد موجع، خيانة غير متوقعة، حادث مفاجئ، أو انهيار حلم بُني طويلاً.
لحظة يُسحب فيها بساط الأمان من تحت قدميه، ويشعر وكأن الحياة توقفت عن النبض، والعالم كله انكمش في لحظة واحدة من الألم.
هذه اللحظة تُسمى: الصدمة.
لكن الأهم من لحظة الصدمة… هو ما بعدها.
كيف نتعامل معها؟
كيف ننجو منها دون أن نخسر أنفسنا؟
كيف نحولها من نقطة انكسار إلى بداية نهوض؟
في هذا المقال، نُبحر في المراحل النفسية التي يمر بها الإنسان بعد الصدمة، ونحاول أن نرسم خارطة طريق تساعد كل من سقط… أن يقف من جديد.
دعني اولاً عزيزي القارئ اعرفك ما هي الصدمة النفسية؟
الصدمة النفسية لا تُقاس بحجم الحدث فقط، بل بتأثيره على التوازن الداخلي للإنسان.
قد يتلقى شخصان نفس الحدث، فيتجاوزه أحدهما، ويُكسر الآخر تمامًا.
الصدمة هي رد فعل عقلي وعاطفي وجسدي مفاجئ، يحدث نتيجة حادث يفوق قدرة الفرد على الاستيعاب أو التحمّل، وتؤدي إلى اختلال مؤقت في التفكير والمشاعر والسلوك.
المرحلة الأولى: “الإنكار والذهول”
في الساعات أو الأيام الأولى، يدخل الإنسان حالة من الذهول أو الإنكار.
لا يُصدق ما حدث.
يشعر وكأنه يشاهد نفسه من الخارج.
ينكر الحدث أو يتعامل معه وكأنه كابوس مؤقت سيزول.
هذه آلية دفاعية فطرية من العقل كي يحمي النفس من الانهيار المفاجئ.
نصيحة المرحلة: لا تُجبَر على استيعاب كل شيء دفعة واحدة. أعطِ نفسك الإذن بالدهشة… فهذه أول خطوة نحو التقبّل.
المرحلة الثانية: “الانفجار العاطفي”
بعد أن يبدأ العقل في استيعاب الواقع، تنفجر المشاعر.
حزن، غضب، ندم، خيبة، وربما لوم للنفس أو الآخرين أو حتى للقدر.
هذه المرحلة هي الأخطر، لأن فيها يرتبك الاتزان النفسي، وتكثر الأفكار السلبية، وقد تظهر اضطرابات النوم، والقلق، وحتى الاكتئاب المؤقت.
نصيحة المرحلة: اسمح لنفسك بالبكاء، بالغضب، بالتعبير. لا تكبت مشاعرك، لكن لا تجعلها تقودك أيضًا. تحدث إلى من تثق بهم. الكتابة تساعد. وكذلك الصلاة، والتأمل، والتواجد في بيئة آمنة.
المرحلة الثالثة: “التفاوض ومحاولة الفهم”
يبدأ الإنسان في هذه المرحلة بمحاولة فهم “لماذا حدث هذا لي؟”
يبحث عن أسباب، أو عن شخص يحمّله المسؤولية، أو ربما يحاول أن يساوم القدر داخليًا:
“لو كنت فعلت كذا، لما حدث كذا…”
“ربما لو اعتذرت… سيعود”
“ماذا لو أعطيتها فرصة ثانية؟”
هذه مرحلة ذهنية وعاطفية معقدة، لكنها علامة على أن العقل بدأ يُعيد تنظيم الواقع بطريقة ما.
نصيحة المرحلة: تجنّب العيش في دوائر الـ”لو”. الواقع لا يُعاد تشكيله بالافتراضات. تعامل مع الحقائق كما هي، لا كما كنت تتمنى.
المرحلة الرابعة: “الحزن العميق أو الانطفاء”
بعد الصدمة، والانفجار، والتفاوض، يمرّ الإنسان بما يشبه “الانطفاء”.
قد يتراجع عن الحياة، ينزوي، يفقد شغفه، أو يشعر بلا معنى.
البعض يصفه بـ”الاكتئاب”، لكنه ليس مرضًا سريريًا بالضرورة، بل حالة طبيعية من الحداد النفسي على ما فُقد.
نصيحة المرحلة: لا تستعجل النهوض. الحزن ليس ضعفًا. خُذ وقتك، لكن لا تسمح للحزن أن يتحوّل إلى هوية دائمة. تذكّر أنك ما زلت حيًّا، وكل ما فيك قابلٌ للشفاء.
المرحلة الخامسة: “التقبّل وإعادة البناء”
وهنا تبدأ المرحلة الفاصلة…
لا يعود الألم أقل، لكنه لم يعد يحكمك.
تبدأ في تقبّل ما حدث، دون أن يلغيك.
تُدرك أن الحياة مستمرة، وأنك قادر على العيش رغم الجرح، وربما بفضله.
هذه المرحلة لا تعني أنك نسيت، بل أنك تعلمت كيف تتنفس مجددًا رغم الغصّة.
نصيحة المرحلة: ابدأ بخطوة صغيرة. عادة جديدة. فكرة عمل. مشروع مؤجل. صدقة خفية. أي شيء يعيدك للحياة… لا تنتظر أن تصبح قويًّا أولًا. فالقوة لا تسبق البداية، بل تنبع منها.
وفي الختام “كل صدمة هي بوابة لنسخة أخرى منك… لا تخرج منها كما دخلت.”
الصدمة مؤلمة… نعم.
وقد تترك ندبة لا تزول… هذا صحيح.
لكنها أيضًا فرصة لإعادة تشكيل نفسك، واكتشاف قوتك، وصقل حكمتك.
كل مرحلة تمر بها بعد الصدمة هي خطوة نحو التعافي.
وكل مرة تنهض فيها، حتى لو تعثّرت، هي شهادة بأنك لم تُكسر.
لا تُقارن آلامك بغيرك، ولا تُسرّع شفائك تحت ضغط المجتمع.
لكن أيضًا لا تَسكن في ألمك طويلًا.
الحياة لا تنتظر من لا يتحرك.
وأنت – رغم الجرح – تملك الكثير لتعيشه.
فامضِ، ولو بخطوة.
ففي كل خطوة… تشفى.
وفي كل شفاء… يولد منك إنسان أقوى، أعمق، وأجمل

د. تامر عبد القادر عمار

كاتب صحفي

خبير التسويق والتخطيط الاستراتيجي

مهتم بقضايات التنمية والعلاقات الانسانية

لايف كوتش السعادة

مقالات ذات صلة