المقالات والسياسه والادب
عبور الضيم بصريف الأقلام وأنين معلم في مهب الجهالة بالممر الخامس والثلاثين

بقلم / محمد جابر
كاتب صحفي
وها نحن نشتم رائحة العام الدراسي الجديد في هذا الممر حيث تتعالى الصرخات من قلة ذات اليد وتتناغم مع أنين الحياة اليومية وتنسجم مع أصوات الشكوى الخافتة فليس كل ما نشتمه أمل البدايات بل هو وهن يتجدد في طليعة كل عام ومع صدى أجراس المدارس يدق النبض ألما لا شغفا فلم تعد تلك الأنغام توقظ في النفوس شغف المعرفة بل تذكرنا بالمعاناة وتغمسنا في الأسى
كنت أمر بجوار أحد المقاهي الشعبية حين التقطت أذني جملة قصيرة لكنها ثقيلة على الوجدان حينها تحجرت قدماي بنعلم أولادنا بره مصر التعليم هنا بقى صعب كلمات عابرة لكنها كانت كفيلة بأن تفتح أمامي ممرا جديدا عن الهروب من التعليم لا إليه ففي هذا الممر لم يعد التعليم ملاذا ولا وسيلة للارتقاء بل أصبح عائقا وعبئا ومصدر قلق دائم لأسر تبحث عن خلاص ليس من الجهل بل من نظام تعليمي فقد القدرة على الإنقاذ
ها أنا أقف أمام أحد المارة الذي جذبتني خطوتي نحوه فقال هنا من يدرس في مدارس دولية بمصروفات خيالية وهناك من لا يجد مقعدا في مدرسة حكومية وهنا من يتعلم بلغات العالم وهناك من بالكاد ينجو من أمية مستترة وها هنا فجوة قاتلة لا تصنع فقط تفاوتا تعليميا بل تشق الوطن إلى طبقات جديدة داخل الفصل الواحد والمدرسة الواحدة والبيت الواحد
خنقني الصمت فلم أجد غير الصراخ مخرجا فقلت التعليم صار سلعة والوعي أصبح ترفا والمعلم مجرد أداة منهكة تنتظر نهاية الشهر
كيف لنا أن نراهن على تعليم يصنع المستقبل ونحن لم نكرم صانع المستقبل الأول كيف نطلب من معلم أن يمنح الأمل وهو لا يملكه أن يبني الأجيال وهو بالكاد يقف متماسكا كيف نتحدث عن تطوير المناهج ونحن نهمل الإنسان الذي يشرحها ونتحدث عن بيئة تعليمية ونحن نغطي التشوهات بابتسامات زائفة وشعارات لا تصمد أمام أول سؤال جاد
أين نحن من مصاف الأمم في التعليم ولماذا ندفن رؤوسنا في التراب ونحتمي بالصمت والإنكار بدل الاعتراف والمواجهة
أعلم أن المسؤولية لا تقع على الدولة وحدها لكنها تبدأ منها بالتخطيط السليم والتمويل الكافي والنية الصادقة في الإصلاح تبدأ من احترام المعلم وإنصافه ورفع شأنه ثم تمتد إلى الأسرة إلى الإعلام إلى كل من جعل من الكلمة منبرا ومن القلم سلاحا فإصلاح التعليم ليس قرار وزارة بل معركة وطنية لا تنتهي إلا بخريج يفكر ويبدع ويقود
في هذا الممر التعليم ليس رفاهية بل ضرورة وليس مشروع وزارة بل مشروع بقاء وهوية
مر شاب تتكلم عيناه بلغة بين الحلم والخوف وقال لي بصوت خافت هل لازم أسافر علشان أتعلم ولا ممكن أتعلم هنا وتكون ليا فرصة
تلعثمت الحروف في فمي فكانت الصرخة أقرب ما املك فقلت له بصوت يملؤه الإيمان نعم يا بني يمكن أن تتعلم هنا إذا غيرنا وحاسبنا وشاركنا جميعا في تنظيف هذا الممر لا أن نكتفي بلعنه
فليس المطلوب أن نهاجر بشبابنا بل أن نبني لهم وطنا لا يضطرون للهجرة منه وطنا يتعلمون فيه ويحلمون وينجحون دون أن يركضوا نحو بوابة سفر مفتوحة على الدوام
فالتعليم ليس قضية وزارة التربية والتعليم فقط بل هو ممر تمر به الأوطان نحو المستقبل وما لم ننظف هذا الممر من البيروقراطية ومن القاذورات الفكرية ومن الفساد ومن الإهمال فلن نصل إلى الممر السادس والثلاثين
وإلى هناك نواصل السير لا بحثا عن مخرج بل عن بداية جديدة عن طريق لا تمحوه الخطى ولا تضله الضوضاء عن وطن يصنع أبناءه بالحقيقة قبل أن يطلب منهم أن يصنعوا له مستقبلا لا يفرون منه




