فتاوى رمضانيه بالكنانة ما القول الفصل في توقيت صلاة الفجر

بقلم د. نجلاء كثير
ما القول الفصل في توقيت صلاة الفجر؟ وما ردكم على دعوى أن توقيت صلاة الفجر بالقاهرة سبق مكة المكرمة في بعض الأيام مع أن القاهرة غرب مكة المكرمة؟
الجواب: الحق الذي يجب المصير إليه والعمل عليه، والذي استقر عليه علماء الهيئة والموقتون وعلماء الفلك المسلمون عبر الأعصار والأمصار، والذي عليه عمل دار الإفتاء المصرية في كل عهودها: أن توقيت الفجر الصادق المعمول به حاليًّا في مصر (وهو عند زاوية انخفاض الشمس تحت الأفق الشرقي بمقدار 19.5°) هو التوقيت الصحيح قطعًا.
وهذا التوقيت مبني على أنه يبدأ من أول ظهورٍ لعلامته المعروفة التي دلَّت عليها نصوص الوحيين: القرآن الكريم، والسنة النبوية القولية والفعلية، وأخَذَه الصحابة رضى الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وطبقوه قولًا وعملًا، ثم أخذه عنهم السلف الصالح قاطبة؛ وذلك بانتشار ضوئه المستطير الصادق في الأفق يمينًا وشمالًا، وليس هو الفجر المستطيل الكاذب الذي يكون ضوؤه كهيئة المخروط المقلوب.
وأما ما يثار من التشكيك في ذلك بدعوى أن توقيت الفجر في القاهرة يسبق أحيانًا توقيتَه في مكة المكرمة، مع أن القاهرة تقع غرب مكة: فهذا ليس اعتراضًا علميًّا؛ إذ من المقرر في علوم الفلك والجغرافيا: أن تحديد المواقيت مبني على خطوط الطول ودوائر العرض معًا؛ حيث تدل خطوط الطول على فوارق التوقيت، ودوائرُ العرض على طول النهار، وهذا يقتضي أن مقارنة خطوط الطول إنما تكون بين المدن الواقعة على دائرة عرض واحدة؛ لتساوي طول النهار فيها.
ومن المعلوم أن مكة المكرمة مختلفة عن القاهرة في ذلك؛ فمكة على دائرة عرض 21.4° تقريبًا، والقاهرة على دائرة عرض 30°، وهذا يجعل نهار القاهرة أطول من نهار مكة في فصل الصيف؛ فلا تصح المقارنة بينهما حينئذ، وإنما يمكن المقارنة مثلًا بين مكة وحلايب؛ لاستوائهما تقريبًا في دائرة العرض. وهذا الاختلاف يحصل أيضًا بين المدينة المنورة ومكة المكرمة؛ فقد يكون الفجر في المدينة قبل مكة مع كون المدينة غربيّ مكة بنحو ثلث درجة طولية؛ وذلك لاختلافهما في خط العرض.
فهذه الدعاوى وإن كانت تُساق بحجة تصحيح المواقيت، إلا أنها تنطوي في حقيقتها على الطعن في العبادات والشعائر وأركان الدين التي أَدَّاها المسلمون عبر القرون المتطاولة؛ من صلاة وصيام وغيرهما، فضلًا عما تستلزمه من تجهيل علماء الشريعة والفلك المسلمين عبر العصور، مع تهافت هذه الدعاوى أمام الحقائق العلمية والمقاييس الجغرافية والظواهر الكونية والفلكية، ولذلك فلا يجوز الالتفات إليها ولا التعويل عليها.
س: ما الحكم فيمن صام رمضان ولكنه لا يصلي؟ هل ذلك يُفسِد صيامه ولا ينال عليه أجرًا؟
الجواب: لا يجوز لمسلمٍ تركُ الصلاة، وقد اشتد وعيد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم لمن تركها وفرط في شأنها، حتى قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلاَةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ» أخرجه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم، ومعنى «فقد كفر» في هذا الحديث الشريف وغيره من الأحاديث التي في معناه: أي أتى فعلًا كبيرًا وشابه الكفار في عدم صلاتهم، فإن الكبائر من شُعَب الكُفر كما أن الطاعات من شُعَب الإيمان، لا أنه قد خرج بذلك عن ملة الإسلام -عياذًا بالله تعالى- فإن تارك الصلاة لا يكفر حتى يجحدها ويكذب بها، ولكنه مع ذلك مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب.
والمسلم مأمورٌ بأداء كل عبادة شرعها الله تعالى من الصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها مما افترض الله عليه إن كان من أهل وجوبه، وعليه أن يلتزم بها جميعًا كما قال الله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدۡخُلُواْ فِي ٱلسِّلۡمِ كَآفَّةٗ} [البقرة: 208]، وجاء في تفسيرها: أي التزموا بكل شرائع الإسلام وعباداته، ولا يجوز له أن يتخير بينها ويُؤدِّيَ بعضًا ويترك بعضًا فيقع بذلك في قوله تعالى: {أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضٖ} [البقرة: 85].
وكل عبادة من هذه العبادات المفروضة لها أركانها وشروطها الخاصة بها، ولا تَعَلُّق لهذه الأركان والشروط بأداء العبادات الأخرى، فإن أدَّاها المسلم على الوجه الصحيح مع تركه لغيرها من العبادات فقد أجزأه ذلك وبرئت ذمتُه من جهتـها، ولكنه يأثم لتركه أداء العبـادات الأخرى، فمن صـام وهو لا يصلي فصومه صحيح غير فاسد؛ لأنه لا يُشتَرَط لصحة الصوم إقامة الصلاة، ولكنه آثمٌ شرعًا من جهة تركه للصلاة ومرتكب بذلك لكبيرة من كبائر الذنوب، ويجب عليه أن يبادر بالتوبة إلى الله تعالى.
أما مسألة الأجر فموكولة إلى الله تعالى، غير أن الصائم المُصَلِّي أرجى ثوابًا وأجرًا وقَبولًا ممن لا يصلي.