أخبارالسياسة والمقالات

أزمة منتصف العمر

إعداد أسماء الظنط.

 

مقدمة: تعتبر هوية الأنا أحد جوانب النمو التي بلورها إريكسون، ضمن نظراته في النمو النفسي – الإجتماعي وترجعها مارشا ضمن نموذجه رتب الهوية. 

وقد أكد إريكسون على أن الهوية تمثل حالة داخلية للفرد تتضمن احساسه بالتفرد ، والوحدة ، والتماثل، والاستمرارية. 

وتهتم نظرية إريكسون بما يسمى بأزمة الهوية، حيث يواجه الفرد أثناء تشكيل هوية الأنا ما يسمة ب “الأزمات النفسية ” ، والتي تعد نتاجا للانا، والجسد،والمجتمع. فالازمة هي عملية البحث في الذات ، من خلالها يواجه الفرد هويته الفعلية ، والهويات البديلة ، مما قد يوقعه ضحية لها. وتمثل أزمة منتصف العمر الأزمة السابعة من أزمات النمو الثمانية.

تعريف أزمة منتصف العمر من خلال العديد من علماء النفس الرشد: 

عرف كاتشيادورين في كتاب الرشد الذي حرره إريكسون هذه المرحلة بأنها مرحلة النضج ، والنمو الكامل ؛ أي أنها المرحلة التي يبلغ فيها الفرد أقصى حجم وقوة بباقي مراحل حياته، وفيها تزداد قدرته على تحمل المسؤولية والتعامل مع المسائل الشخصية . بينما عرفها إريكسون على أنها القدرة على رعاية الأفراد الذين يرتبط معهك في وحدة متكاملة.

أما بوستن فقد عرفها على أنها الوقت الذي يشكك فيه الفرد في القيم القديمة ، ويسعى وراء اتجاهات جديدة . 

وفي عام ٢٠٠٨ أجرى خبيران في الإقتصاد ديفيد بلانشفلور واندرو اوزوالد ، دراسة قدما فيها أدلة تؤكد أن الرفاه النفسي للفرد يتبع منحى على شكل الحرف اللاتييني خلال الحياة. الأمر الذي يعني أنه ما بين مرحلة البلوغ ومرحلة االشيخوخة.

وظهرت أيضا هذه الأزمة في اوائل الستينات من القرن العشرين عند طبيب نفسي كندي يدعى إليوت جاك.

كان إليوت يقوم بدراسة الإنجازات الإبداعية عند ٣١٠ فنانين مشهورين من أمثال الموسيقار موزارت ،والرسام الفرنسي غوغان ، لأنه لاحظ سمة مشتركة عندهم، عندما دخلو في منتصف الثلاثينات ، انخفض انتاجهم الإبداعي، وعانى بعضهم الإكتئاب ، وأقدم عدد قليل منهم على الانتحار، وسجل بعضهم الاخر اعترافه بالشعور بالفراغ، مثل الرواءي الروسي الشهير ليو تولستوي الذي عندما قارب عمر الخمسين شعر بأزمة نفسية حادة عبر عنها في مؤلف قصير بعنوان ” إعتراف ” ، وذلك عندما سأل نفسه : حسنا ستكون اكثر شهرة من غوغل، أو بوشكين،أو حتى من جميع الكتاب في العلم . ولكن ماذا بعد ؟ ولاحقا لاحظ ذلك على المرضى الذي يقصدونه. 

وفي عام ١٩٦٥م ، نشر إليوت نتيجة دراسته بعنوان ” الموت وأزمة منتصف العمر”.واعتبرها مفارقة ،إذ في الوقت الذي يصل فيه المرء إلى ذروة الحياة ، يلوح الموت في الأفق. 

أما مارثا نوسبوم صاحبة كتاب ” التقدم في العمر بعمق ” تقول : إنه يجب الحذر من العيش في هالة الحاضر ، وتقدم بعض الملاحظات حول كيفية إختلاف آراء الفلاسفة اليونان القدامى عن المفكرين الحديثين في مواقفهم إتجاه الماضي . فالماضي عند اليونان ليس مرحلة ذات مغزى عاطفي.

وهنا تستشهد نوسبوم بالفيلسوف أرسطو الذي انتقد كبار السن ، الذين يكثرون الحديث عن الأيام الخوالي ، وقال عنهم: إنهم يعيشون بالذاكرة بدل الأمل ، وهذا هو سبب بؤسهم   

أما بالنسبة للمفكرين الحديثين فمن المسلم أن الذاكرة والمشاعر المتجذرة في الماضي هي مفاتيح السعادة ، والأمل بالمستقبل .

أما كا ل يونغ ،عالم النفس السويسري ، ومؤسس علم النفس التحليلي قدم وجهة نظره في أن أزمة منتصف العمر هو الوقت الذي تتكامل فيه جوانب كانت مكبوته في النفس من قبل ، فيستطيع الرجال استعادة الجانب الانثوي الاواعي الأنيما، الذي كان مغمورا من قبل خلال فترة شبابهم . بينما تحرر النساء جانب الجنس الآخر الخفي بداخلهن الانيمس. 

وعرف سمرز فلانجين السعادة الزوجية ، على أنها شعور الفرد بأنه ذو قيمة وأهمية بالغة بحيث لا يمكن الاستغناء عنه.

أما كريمكريغ فيعرف السعادة الزوجية على أنها العثور على شخص يلتزم بالحياة الزوجية وتبعاتها طوال عمره.

أزمة منتصف العمر بين المؤيدين والمعارضين:

في الستينات والسبعينات ظهرت أزمة منتصف العمر لأهمية العوامل البيولوجية من جهة، ونتيجة لزيادة شعبية مدرسة التحليل النفسي من جهة أخرى، وعليه بدأت الأزمة بين مؤيد ومعارض.

فمن جهة أكد جاكسون على أن هناك لحظات حرجة تمر بالافراد خلال حياتهم، وتستمر لسنوات. 

أما ليفنسون فاكد على أن غالبية الأفراد يمرون بهذه المرحلة والتي تظهر بين سن الأربعين وحتى الخامسة والأربعين ، وتستمر ما بين أربع الى خمس سنوات.

وبالنسبة لجولد، فمن وجهة نظره أن هذه الأزمة تبدأ منذ سن الخامسة والثلاثين وحتى الخامسة والأربعين ، ويظهر ذلك من خلال السلوك بضيق الوقت وعدم تحقيق الأهداف التي يطمحون إليها قبل مفارقة الحياة.

ويرى وايتن أن الكثير من الدراسات قد فشلت في ملاحظة أي تغيرات نفسية أو انفعالية للأشخاص في منتصف العمر،وان ما اخبره ليفنسون وجولد من خلال دراستيهما هو خرافة وان هذه الدراسة أثبتت دلالتها على صعيد بعض الأفراد. كما يؤكد برنامج الأبحاث التابع لمؤسسة ماك آرثر والخاص بالنمو الناجح على أن هذه المرحلة حميدة.

وقد عرفها اندرسون وتايلر انها صدمة يمر بها الفرد نتيجة احساسه بنقص في حياته ، وتجعله يركز على ما فشل في تحقيقه ، على الصعيد المهني والأسري. 

أسبابها: لخصت كولين الأسباب بأنها الخوف من الموت ، والإحساس بضيق الوقت ، والبحث عن أهداف جديدة، والإحساس بالتقدم في العمر ، وتأثيره على الحياة الجنسية .

ومن أسبابها أيضا الضغوط الخاصة بالعمل ، أو فقدان وظيفة، والخلافات الأسرية، والشعور الزائد بالمسؤولية ، ولها أيضا أسباب نفسية ، كالتوتر الدائم، وفقدان معنى الحياة.

وهنا ، إختلف توجه بريفرمن وباريس ، عن غالبية المنظرين ، فركزا على مرحلة الطفولة ، وعن الحرمان النانج عنها ، وأن الإنجازات التي حققها في منتصف عمره هي تعويض لهذه المشاعر.

ومنهم من يردها الى فشل الفرد في تكوين هويته في مرحلة المراهقة ، ومنهم من ردها إلى مرحلة الشباب ، فمنذ الصغر يقود الآباء والمعلمون أبنائهم بحسب معتقداتهم وخياراتهم، ومن هنا تبدأ الأزمات والضغوط بسبب الآمال والتطلعات التي قد لا تكون حقيقية .

أعراضها: انعدام الهدف ، نقد المتعة في الحياة، الإحساس بالفراغ ، إنعدام التركيز ، الحزن ، والاكتئاب المستمر .

السعادة الزوجية والازمة: تتارجح السعادة الزوجية ما بين القمة والقاع ، إما بسبب تغيير تصرفات الرجل ، أو بسبب تغير تصرفات المرأة الغير معتادة . فمثلا يتغيب الرجل عن المنزل كثيرا على غير عادته ، وتبدأ الملاحظة لبعض التصرفات الغريبة ، او يبدأ الرجل بملاحظة تغيير لباس امرأته الغير المعتادة وهنا تبدأ المشاكل، حتى نصل الى تأزم الوضع الى درجه الطلاق العاطفي ، والذي قد يندرج أيضا نتيجة الزواج الغير سعيد والذي يعكس حالة من الجفاف العاطفي، والانفصال الوجداني بين الزوجين، وابتعاد كل منهما عن الآخر في أغلب أمور الحياة في حالة تكون شبيهة بالمرض المزمن الطويل بعكس الطلاق الذي يكون أقرب للموت.

ويرى ليفنسون أن هؤلاء الأفراد تزوجوا قبل أن يرشدو الى العلاقة الزوجية .

أما بالنسبة الى الدكتور طارق حبيب وهو بروفيسور في علم النفس ومن ضمن حلقة برنامج أسرار فيشرح من خلاله العلاقة الزوجية وازمة منتصف العمر على أنها حالة صدام ، وفتور العلاقة الزوجية ينبه الى أخطاء متراكمة وذلك يدفع في بعض الأحيان إلى تبرير التعاسة والبحث عن البدائل. 

الوقاية منها وكيفية التعامل معها : يقول الدكتور طارق حبيب أنه كلما ادركنا الأزمة قبل وقوعها أو في بدايتها كلما كان الخروج منها أسهل، أما إذا توترنا منها فإنها تطول ويزيد اضطرابات. 

فعلينا أن ندرك التغيرات في أزمة منتصف العمر ثم نوصلها الى بر الأمان. فإذا حدثت مع الرجل على المرأة أن تخرج من روح الزوجة الى روح الأخت، لأن الأخت تبقى أكثر تفهما لبعض الأمور، فإذا احتويته وكنت أقل توتر، وعذرته في هذه المرحلة كلما خرج منها اسرع وربما تكون مؤقتة.

أما إذا عذرته واحتواته وتعالى أكثر في تصرفاته فالمشكلة فيه. 

ومما ينوه فيه البروفيسور انه لو كان الزواج متين ومفعم بالعطاء والمحبة والود والاحترام 

جاءت الأزمة خفيفة سهلة ، ولو تلازم معها العديد من الأزمات الأخرى يبقى الود .ولكن الإشكالية أننا لا ندعم زواجنا واذا ما أتت سحابة صيف نتدهور، لأننا لم نخزن الكثير من الحب ولم نفهم شخصية الشريك ،فكان بهذه الحالة لزاما علينا ان نزيد ودائع الحب بالعطاء.

وطرح عليه أحد الأشخاص سؤال : لماذا نسبة الطلاق مرتفعة ؟ فاجابه: ليست المشكلة في نسبة الطلاق وانما المشكلة في الزواج الخاطىء، فمن لا يعرف كيف يتزوج لا يعرف الا كيف يطلق سواء طلاق عاطفي أو طلاق كامل ، لأنه لم يدرك الزواج ولا الحب .

فهدف الإنسان الرئيس أن يحيا وليس أن يوجد فالهدف هو احتواء قلب المحبوب وروحه والتنازل له لا في قهره والتسلط عليه وتجاهل.

الحلول المناسبة لها والخروج منها : تجربة مهارات جديدة ، في بداية هذه المرحلة سيكون الخوف سيد الموقف من هذه التجربة لعدم وجود الثقة بالنفس ، الانتقال إلى مرحلة التعلم ومن ثم اكتساب هذه المهارة والانتقال إلى مرحلة الراحة.

الديتوكس،او الاستجمام في الطبيعة يساهم في تهدئة النفس والسير في طريق العلاج.

ومن اهم الاسباب للخروج منها الإعتراف بالمشكلة وعدم فقدان الأمل، فعلينا ان نبتعد عن المؤثرات ونواجه المشكلة ونتعامل معها كي تصل بعدها إلى السلام الداخلي ، والاستمرار في المحاولة حتى نصل الى التحرر منها.

فالحكماء لا يقلقون بل يخططون.

كثيرا منا أيضا يعيش في الخوف من المستقبل والندم على الماضي ولا نعيش حاضرنا . علينا أن نتعايش مع الحاضر ، مع الواقع ونخطط للمستقبل انطلاقا من واقعنا وحاضرنا.

تثقيف المجتمع بالتغييرات التي تطرا على الفرد خاصة ، والعلاقة الزوجية عامة.

برامج إرشادية للمقبلين على الزواج .

برامج توعية لكلا الزوجين بحاجات الآخر وضرورة الشعور به بدلا من التركيز على مشكلاته فقط.

تكثيف جلسات الاستشارات الزوجية لحل المشكلات العالقة بين الزوجين أولا بأول قبل أن تصل الى الحد الذي ينقطع فيه الأمل. 

الخاتمة: يتبين وأنه من خلال الآراء السابقة لهذه الأزمة بأنها أزمة رسالة سببها سيكولوجية من جراء دوافع قديمة استهلكت نفسها بسبب فقدان الرسالة . فبسبب الروتين اليومي الممل الذي نمارسه كل يوم بنفس الطريقة يؤدي إلى الإكتئاب مما يحدث اضطرابات وتوتر بين الزوجين ، فعلينا دائما أن نجدد أهدافنا ، فالرسالة هي إحياء للروح والنفس .

ولكي نفهم هذه الرسالة علينا أن نفهم الطاقة الذي تحرك هذه الرسالة ، طاقة توسع التقدم وراء الابتكار والتناغم مع حركة الكون ، لأن الكون في توسع مستمر ؛فإذا أردنا أن نعيش رسالتنا علينا أن نتحدى أنفسنا، ومثالا على ذلك : السر وراء تصميم الألعاب، فالاشخاص الذين يصممونها يجعلوننا في حالة تدفق وكل مرحلة يرفعون القليل من التحدي لنتحدى انفسنا ولا نمل ونتابع اللعب بكل حماس وتشويق للشوط التالي وهكذا هي أزمة منتصف العمر علينا ان نتحملها ونواجهها بالتحدي والابتكار واضفاء كل جديد على حياتنا كي نخرج منها بطريقة سليمة .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى