المقالات والسياسه والادب

المتحف المصري الكبير اللحظة التي التقت فيها العظمة بالتاريخ

المتحف المصري الكبير اللحظة التي التقت فيها العظمة بالتاريخ

 

بقلم/ عبير عبده

 

في زمنٍ تتسارع فيه الحضارات وتتنافس الأمم على حفظ ذاكرتها، تقف مصر شامخة كعادتها، لتُعلن للعالم أن التاريخ لا يُحفظ بالكلمات فقط، بل يُعاد بعثه في صروحٍ تنبض بالحياة.

حين تُرفع الستارة عن المتحف المصري الكبير (GEM)، لا نكون أمام افتتاح مبنى فحسب، بل أمام ميلاد عصر جديد من التنوير والهوية والاعتزاز. إنه وعدٌ بأن الماضي سيظل حيًّا في ذاكرة الحاضر، وأن العظمة المصرية تعرف دائمًا كيف تتجدد.

 

العمارة التي تحتضن الزمن

 

يُعد الموقع الاستراتيجي للمتحف أول ما يثير الإعجاب، فقد صُمم ليكون امتدادًا طبيعيًا لهضبة الأهرامات، وكأن المبنى نفسه “هرم خامس” من الزجاج والخرسانة.

تنعكس هندسته الزاويّة على هيئة الأهرامات، فيما تسمح الواجهات الزجاجية للضوء الطبيعي بأن يعانق الآثار في مشهد روحاني فريد.

وفي قلب هذا الصرح، يقف تمثال الملك رمسيس الثاني (83 طنًا و11 مترًا ارتفاعًا) شامخًا في البهو العظيم، مستقبلًا الزوار بتحية فرعونية مهيبة قبل الغوص في أعماق التاريخ.

 

كنز توت عنخ آمون… كاملاً ولأول مرة

 

الركن الأبرز في المتحف هو عرض المجموعة الكاملة لآثار الملك الذهبي توت عنخ آمون.

ولأول مرة منذ اكتشاف مقبرته عام 1922، تُعرض أكثر من 5000 قطعة أثرية تخص الفرعون الشاب في قاعة واحدة، لتروي قصة متكاملة عن حياته ومجده وثرائه الفريد.

إنه حدث أثري عالمي يُعيد كتابة فصلٍ من أعظم فصول التاريخ الإنساني.

 

تفاصيل فنية وتقنية لا تُنسى

 

لم يقتصر الإبداع على التصميم والعرض فقط، بل امتد إلى أدق التفاصيل التقنية والخدمية:

 

السلم العظيم: درج ضخم تصطف على جانبيه التماثيل، يقود الزائر في رحلة تصاعدية عبر العصور.

 

المسلة المعلقة: مسلة الملك رمسيس الثاني معلّقة على قاعدة شفافة، في مشهد هندسي فريد يوحي بأنها تحلّق في الهواء.

 

مركز الترميم المتكامل: الأكبر من نوعه في الشرق الأوسط، حيث يعمل الخبراء على صيانة الكنوز وفق أحدث المعايير العالمية.

 

الحدائق والمساحات الخارجية: فضاءات خضراء ومناطق خدمات ومراكز ثقافية ومطاعم، تجعل من المتحف تجربة حضارية متكاملة لا تُنسى.

 

مصر… العظمة التي لا تُطوى صفحتها

 

افتتاح المتحف المصري الكبير ليس حدثًا محليًا، بل رسالة عالمية تؤكد أن مصر لا تكتفي بصنع التاريخ، بل تحفظه وتعيد تقديمه للأجيال القادمة بأبهى صورة.

إنه صرحٌ وُلد ليحكي قصص آلاف السنين بأسلوب يليق بالمستقبل، ويعيد لمصر مكانتها كقلبٍ نابض للحضارة الإنسانية.

 

تحية فخر وإجلال لكل يدٍ مصرية ساهمت في بناء هذا المجد الجديد،

ولكل من ما زال يؤمن أن العظمة تبدأ من هنا… من أرض الفراعنة.

مقالات ذات صلة