المقالات والسياسه والادب

صوت الورق بقلم هدى عبده

لم يكن يبحث عن اللغة،
بل كان يفتّش عن نفسه بين شقوق الصمت.
تعب من الضجيج،
ومن الجمل التي تقال لتخفي لا لتشرح.
جلس أمام الورق لا ليكتب،
بل ليتفاوض مع الألم.
كان يعتقد أن الكلمة تُقال مرة،
ثم تنتهي.
حتى أدرك أن بعض الكلمات تُولد لتبقى،
وأن ما نكتبه أحيانا لا يُقرأ… بل يُشعر.
لم يكن شاعراً،
ولا ناثراً،
كان فقط إنساناً
أرهقته الأجوبة المعلبة،
فصار يسأل دون انتظار رد.
وفي الزاوية الأخرى من الحبر،
كانت هي تمشي فوق الكلمات كما لو أنها تلمس ظلها.
لا تكتب لتُدهش،
ولا لتُصفق لها الجماهير،
بل تكتب لتتنفس حين يضيق بها المعنى.
هي ترى أن الجرح لا يشفى بالصمت،
وأن النزيف حين يُدوَّن
يصبح قصيدة.
هو يرى أن المكاشفة خيانة،
وأن أجمل ما في الإنسان
هو ما لم يُكشف بعد.
قالت له ذات صمت:
“الكتابة باب لا يُغلق إلا من الداخل.”
فقال:
“لكن بعض الأبواب حين تُفتح… لا تُغلق أبداً.”
هي تكتب لتضيء العتمة،
وهو يكتب ليرى في العتمة صورته بوضوح.
هي تسكب قلبها في السطور،
وهو يذرّ شكّه في النقاط والفواصل.
لكن حين التقيا،
لم يكن الحرف شاهداً
بل كان الطرف الثالث في الحكاية.
قال لها:
“أخاف أن يراني الورق كما أنا.”
فقالت:
“بل الورق هو المكان الوحيد الذي يحتملك كما أنت.”
ومنذ ذلك اللقاء،
صار يكتب ليس ليهرب،
بل ليعود.
وصارت تكتب لا لتشرح،
بل لتسند صمت غيرها بالكلمات.
وتحوّل النص بينهما
إلى معبر، لا نهاية له…
كلما مشيا فيه،
اكتشفا أن الكتابة ليست طريقاً واحداً،
بل ضفتان لحياة لا تنتهي.
______________
د. هدى عبده
قد تكون رسمة لـ ‏‏قلب‏ و‏نص‏‏

مقالات ذات صلة