طفل في حقيبة.. مأساة تهز كرداسة وتفضح غياب الضمير”

طفل في حقيبة.. مأساة تهز كرداسة وتفضح غياب الضمير”
بقلم /عبير عبده
في مشهد يليق بالأفلام المظلمة لا الواقع، استيقظت كرداسة منذ أسبوع على جريمة تقشعر لها الأبدان. حقيبة بلاستيكية لتوصيل الطلبات، ملقاة بجوار “سراميك الرحمة” على طريق طفت اللبن.. لكنها لم تكن تحتوي على طعام أو أغراض عابرة، بل على جسد صغير لطفل لم يتجاوز الخامسة، متعفنًا بلا حول ولا قوة.
بداية الصدمة
بلاغ تلقته أجهزة الأمن من الأهالي، أفادوا فيه بالعثور على حقيبة مثيرة للريبة. دقائق قليلة كانت كافية لكشف الفاجعة، حيث ظهرت الجثة أمام أعين الجميع، فعمّ الذعر المكان، وتحركت الشرطة لفتح التحقيق.
كاميرات المراقبة في المنطقة لعبت دورًا حاسمًا، فبدأت تكشف الخيوط واحدًا تلو الآخر حتى وصلت إلى المتهمين: مسجل خطر وعشيقته.
الأب.. خيانة من الداخل
لكن الكارثة الحقيقية لم تكن في هوية القاتل وحده، بل في التفاصيل التي فجّرت غضب الرأي العام.
فالأب نفسه، من يُفترض أن يكون حصن الأمان، هو من ترك ابنه رهينة لدى المتهم مقابل الحصول على جرعة “آيس”.
لم يمتلك ثمن المخدرات، فاتفق مع التاجر أن يترك له الصغير حتى يسدد ما عليه. وما إن غادر حتى بكى الطفل بحرقة، فانهال عليه المتهم ضربًا حتى فارق الحياة، قبل أن يضعه بمعاونة عشيقته داخل الحقيبة ويلقي به في الشارع.
جريمة تتجاوز حدود القتل
ما حدث لم يكن مجرد قتل طفل، بل انهيار منظومة كاملة من القيم.
الإدمان لم يسرق عقل الأب فقط، بل سرق منه إنسانيته وأبوّته، وحوّل طفله إلى “عملة” رخيصة في يد تاجر كيف.
الطفل الذي لم يُسجل في الأحوال المدنية، عاش بلا هوية، ورحل بلا هوية، وكأنه لم يكن حاضرًا إلا ليكشف عورات مجتمع يترك أضعف أفراده في مواجهة الموت.
دور الأمن والتحقيقات
الأجهزة الأمنية تحركت بسرعة، وتم ضبط الأب والمتهمين الآخرين. التحقيقات أكدت التفاصيل المروعة، واعترف الأب بهدوء صادم أن الصغير ابن زواج عرفي، لم يُقيَّد رسميًا، وكأن غيابه عن الأوراق سهّل غيابه عن الحياة.
المجتمع في مرآة الجريمة
هذه الجريمة لم تهز كرداسة وحدها، بل هزت الضمير الإنساني كله. فهي ليست مجرد واقعة فردية، بل مؤشر خطير على كيف يُمكن للإدمان أن يحوّل البشر إلى وحوش، ويترك الأطفال ضحايا لصراعات الكبار.
هنا لا يكفي أن نطالب بعقوبات صارمة فقط، بل نحن بحاجة إلى ما هو أعمق:
حملات توعية ومكافحة للإدمان.
دعم نفسي واجتماعي للأسر المعرضة للخطر.
حماية الأطفال، والتأكد من تسجيلهم قانونيًا ليصبح لهم حق أمام الدولة والمجتمع.
كلمة أخيرة
قد تنتهي التحقيقات وتُغلق القضية في الملفات الرسمية، لكن مأساة هذا الطفل يجب أن تبقى مفتوحة في وعينا.
لأن موت الجسد يمكن أن يُسجَّل في محضر، أما موت الضمير فلا يُسجَّل إلا في تاريخ الأمم.



