المقالات والسياسه والادب

مقال بعنوان الشغف بالدراسة العليا يهدّد نزاهة البحث العلمي في فلسطين

 للكاتبه ا.د. عطاف الزيات /فلسطين

فيما يلي مقال يناقش هذه القضية:

في السنوات الأخيرة، تزايد الإقبال في فلسطين على استكمال الدراسات العليا، سواء في الداخل أو عبر برامج خارجية. ورغم أن هذا التوجّه يُعد ظاهرة إيجابية تعكس رغبة الشباب في التطوير المعرفي والمهني، إلا أن هذا “الشغف” المفرط أحيانًا بات يثير تساؤلات جوهرية حول جودة البحوث العلمية المنتَجة، ونزاهتها، وواقعها في البيئة الأكاديمية الفلسطينية. فهل تحوّل طلب العلم إلى سباق للحصول على الشهادات؟ وهل هذا التهافت يهدّد فعلاً قيم البحث العلمي وأصالته؟

أولًا: دوافع الشغف بالدراسة العليا
1. الطموح المهني والاجتماعي: يسعى العديد من الطلبة لنيل الماجستير والدكتوراه بهدف الترقي في العمل أو تحسين الوضع الاجتماعي.
2. ضعف فرص العمل: تدفع قلة فرص التوظيف الخريجين إلى التوجه نحو الدراسات العليا كبديل أو انتظار.
3. الضغوط المجتمعية والثقافية: يُنظر إلى الشهادات العليا كمصدر للفخر الاجتماعي، ما يعزّز من سعي البعض نحوها دون دافع أكاديمي حقيقي.
4. المنافسة الأكاديمية: في المؤسسات التعليمية، يتطلب الترقّي الوظيفي في بعض الأحيان التوفر على شهادة عليا بغضّ النظر عن جودة الإنتاج العلمي.
ثانيًا: انعكاسات الشغف على نزاهة البحث العلمي
1. السطحية في اختيار المواضيع: يلجأ بعض الطلبة إلى تكرار مواضيع سابقة أو اختيار مواضيع سطحية تفتقر إلى الأصالة أو الأهمية.
2. الاعتماد على باحثين مأجورين: تفشّت ظاهرة شراء الأبحاث أو الاعتماد على “مراكز خدمات الطلاب” التي تكتب الرسائل مقابل المال.
3. تراجع مستوى الإشراف الأكاديمي: الضغط الكبير على الأساتذة والمشرفين قد يؤدي إلى ضعف المتابعة والتوجيه، مما يؤثر على جودة الرسائل.
4. تضخم عدد الرسائل الجامعية غير المنشورة: الكثير من الرسائل تبقى حبيسة الأدراج دون أن تساهم في تطوير المعرفة أو التأثير في الواقع.
5. الإنتاج الكمي على حساب النوعي: التركيز على الإنجاز السريع للحصول على الدرجة العلمية يدفع بعض الطلبة إلى تجاوز الجوانب المنهجية والأخلاقية.
ثالثًا: التحديات البنيوية التي تعزز المشكلة
1. ضعف السياسات الرقابية في الجامعات: غياب لجان تقييم فعالة وصارمة تراجع جودة الرسائل والأبحاث.
2. قلة الدعم البحثي والتمويل: انعدام مصادر التمويل أو المرافق البحثية يؤدي إلى الاكتفاء بالبحوث النظرية المتواضعة.
3. غياب ثقافة البحث العلمي الحقيقي: لا يُنظر إلى البحث كمسؤولية معرفية ومجتمعية بل كوسيلة للوصول إلى الشهادة.
4. البيئة الأكاديمية المُسيّسة أحيانًا: بعض الترقيات والتعيينات لا تستند إلى الكفاءة البحثية بل إلى العلاقات والمحسوبيات.
رابعًا: توصيات للحفاظ على نزاهة البحث العلمي
1. تعزيز الوعي الأكاديمي بأخلاقيات البحث العلمي.
2. وضع أنظمة رقابية صارمة في الجامعات الفلسطينية على عملية إعداد الرسائل والأطروحات.
3. توفير منصات للنشر العلمي ودمج الطلبة في أبحاث تطبيقية تفيد المجتمع.
4. ربط الدراسات العليا باحتياجات التنمية الوطنية وليس فقط بالمكانة الوظيفية.
5. تشجيع الإشراف الفعّال عبر تقليل العبء التدريسي على الأكاديميين وتخصيص وقت للبحث.
خاتمة:
ليس الخطأ في الشغف بالعلم، بل في الطريقة التي يُترجم بها هذا الشغف. فحين تتحوّل الدراسات العليا إلى غاية شكلية بدلاً من أن تكون وسيلة لإنتاج معرفة نافعة، يُصبح الخطر على نزاهة البحث العلمي حقيقيًّا. إن الحفاظ على أصالة البحث في فلسطين يتطلب إعادة النظر في بنية التعليم العالي، وتعزيز قيم الجودة، والرقابة، والانتماء المعرفي.

مقالات ذات صلة