المقالات والسياسه والادب
أنا الغرق الذي يعلّمكم التنفّس

الكاتب : إدريس أبورزق / المغرب
لستُ ماءً يغمر رئتكم، ولا قاعًا يبتلع أجسادكم…
أنا اللحظة التي ينقطع فيها الهواء، ويُختَزل العالم في صراعٍ واحد: أن تحيا أو تفنى.
أنا الغرق الذي يعلّمكم التنفّس.
في حضني تُدركون أنكم لم تعرفوا الهواء يومًا، وأنكم كنتم تعيشون على أنفاسٍ زائفة من عادةٍ وخمول.
كل ثانيةٍ تقاومونني، تعيدون تعريف النجاة: ليست في السطح الذي تحلمون ببلوغه، بل في الروح التي ترفض أن تُطفأ، مهما أثقلتها الأعماق.
أنا لست موتًا، بل مرآة.
أكشف لكم كم مرةً اختنقتم وأنتم أحياء،
كم مرة ملأتم صدوركم بالخذلان بدل الأوكسجين،
كم مرة كان واقعكم محيطًا يغلق عليكم الأفق، ولم يبقَ أمامكم إلا أن تعاركوا لتظلوا واقفين.
أنا الغرق… أُغرقكم لأعلّمكم أن الشهيق ثورة، وأن الصمت صرخة، وأن النجاة ليست هدية بل انتزاعٌ شرس من فكّ الفناء.
أنا الاختبار الذي يُربّي فيكم القوّة على النجاة، لا مرّة واحدة، بل في كل يومٍ يغرقكم بالفقد والانكسار.
أنا الغرق الذي يعلّمكم التنفّس…
لأنكم لا تُدركون قيمة الحياة إلا حين تلمس أصابعكم يد الموت، ثم تفلتونها برجفةٍ أخيرة.
