سطوة نخبة زائفة وتواطؤ في الممر الثاني والأربعين

سطوة نخبة زائفة وتواطؤ في الممر الثاني والأربعين
بقلم / محمد جابر كاتب صحفي
في هذا الممر لم يعد الخلل في النخبة فحسب بل في الإدراك ذاته ذلك الذي استسلم وسلم مقاليده لمن يصوغون الوعي على مقاسات المصلحة والمنفعه الشخصية فصرنا أمام مشهد لا تكتمل فيه الحقيقة إلا بغيابها ولا تستعاد فيه الكرامة إلا كشعار أو حروف يتشدقون بها فلا يعلو الصوت إلا لمن صدق ولو أن المنصة تعني القوة والتصفيق أعلى من الفهم وعليه فلم تكن ممراتي يوما إلا سؤالا عن الإنسان وسط الزيف سؤالا عن الوطن وسط الركام والغبار عن المصير حين يصادره خيالكم الواهن وقيمكم التي تدار بالوكالة وعقولكم التي تبحث عن داعم لأفكار واهنه لكن العجب أن يكون الهجوم هذه المرة من أولئك الذين يتكئون على الكتب وينعتون أنفسهم أنهم قاده الوعي ومثقفون ليخفوا فراغ الفكرة فمن ينتحلون صفة الوعي ليمارسوا قمع الرأي بقفازات لغوية وألقاب ثقافية أنيقة من هؤلاء الذين حين تسألهم من أنتم لا يجيبون بل يستكثرون عليك السؤال
وهنا كانت بداية الممر الثاني والأربعين لن أصف مشهدا عابرا في هذا الممر تحديدا أو برنامجا أعد مسبقا بل كنت أفتش في هشيم الوعي عن بقايا إنسان وأستنطق الوجوه عن سبب التيه الأزلي في أروقة لا تؤدي إلى شيء سوى ممرات تعكس خيبات من جديد لكن العجيب أن الهجوم هذه المرة لم يأت من أولئك الذين يهابون الحقيقة بل من بعض من يحسبون على أهل الوعي والثقافة أولئك الذين سألوا لا ليعرفوا بل ليربكوا سألوا لا ليبنوا بل ليهدموا وكأن اختلاف النبرة بات جرما وكأن اللغة الحرة تعد جريمة إذا خرجت عن سربهم الواهن
سألني أحدهم لماذا لا تكتب بالعامية لتخاطب العامة قلت وهل العامة يقرؤون أصلا في أمة صار فيها الكتاب سلعة مهجورة والمنصات هي مربط الفهم وسقف التعبير وقال آخر لماذا لا تحمل ممراتك حلولا قلت وهل أنتم جهة اختصاص حتى أتقدم لكم بخطط إصلاح ومن أنتم لتطلبوا من كاتب أن يكون بديلا عن المؤسسات المنهكة أو حكومات بلا مشروع أريد إجابة.نعم اريدها صادقه
وقال ثالث لماذا لا تكتب عنا في ممراتك وكأنهم ينتظرون مديحا في موسم التيه فقلت أنا أكتب في الممرات عن مصر وعن الإنسان فيها فماذا قدمتم أنتم لمصر كي أكتب عنكم ولماذا يجب أن أحتفي بمن لم يحتف بغيره ثم جاء السؤال الأكثر صدقا لماذا لا نفهم ألفاظك قلت العيب عندي أم عندكم وهل المطلوب أن أنزل باللغة حتى لا تجهدوا أنفسكم في صعود المعنى العيب فيكم وعيب عليكم
قالوا إن الممرات سوداوية قلت ربما هي كذلك في عيونكم لأنها لا تصف الجدران المزيفة ببهجة زائفة ولأنها لا تمسح على أكتاف مرتعشة انكشافهم آت لا محال وكونها تصب فوق رؤوسكم لعل الإفاقة تأتي لمن غيبت عقولهم
ثم أسردت بكل هدوء ممراتي لي وأتحمل عواقبها فلماذا لا أراكم فيها ولماذا تحاسبونني بمنطق الواقع وأنتم لا تعترفون به إلا حين يصفق لكم وأين أنتم منها وفيما قدمتم لها من أنتم
أيها المثقفون الساكنون في قاعات الانتظار وغياهب الفكر من منكم احتضن الوعي لا الادعاء.. من منكم صرخ للحقيقة لا للمنصب.. من منكم آمن بأن الوطن فكرة لا صورة.. ومن منكم اختار أن يكون جسرا لا منصة.. تتهمونني بأنني أغرد خارج السرب فليكن ما دام السرب أعمى.. وما دام التغريد داخل قفصكم مجرد صدى لا يسمع فيه إلا صوتكم
سأظل أكتب لأن الصمت خيانة ولأن الوجع الذي أعرفه أصدق من شهاداتكم المزيفة وألقابكم الكاذبة ومنصاتكم ذات الادعاءات التي لا تعبر مدخلكم وأشرف من موائد حواراتكم الممولة وسأظل أكتب عن إنسان لا تقيمه اشباه بل يقيمه ضمير حي وسأظل أكتب عن وطن لا تحكمه لافتات وشعارات بل تسكنه كرامة لا تشترى ولا تسقطها معناه اقتصادية ولا إملاءات الإعلام الممول ولا تمويلات غسيل الأموال من أنتم
أيها الساده على ضفاف الممر تسألون ولا تفهمون تهاجمون ولا تبنون تهربون من السؤال ولا تجرؤون على المواجهة من أنتم أنتم لستم سؤال الوعي بل أنتم وهم الإجابة وهكذا بدأت حكاية الممرات ليس عن ممر ضائع فحسب بل عن إنسان قرر أن يكتب ولو بمداد الغضب قرر أن يصرخ ولو في صحراء صماء قرر أن يكون هو حتى وإن أنكرتم عليه اسمه وحقه في المرور
إلى الممر الثالث والأربعين



